في العصر الرقمي، عندما تتطور وسائل الاتصال بسرعة مذهلة، أصبح الشعور بالوحدة، على نحو متناقض، مرضا عالميا حقا. لماذا يشعر الناس بالعزلة بشكل متزايد في عالم مليء بفرص التواصل؟ سيخبرك Rambler بأسباب هذه الظاهرة وما إذا كانت لدينا فرصة لإصلاحها.

جذور الوحدة: النظر إلى الماضي
في معظم تاريخ البشرية، لعبت الروابط الاجتماعية دورًا مهمًا في البقاء. في عصر ما قبل الصناعة، كانت الحياة تتمحور حول المجتمع والأسرة. يقضي الناس معظم وقتهم معًا، في العمل والاحتفال وحل النزاعات. تعتبر الوحدة الاستثناء وليس القاعدة.
مع ظهور الثورة الصناعية والتحضر، بدأت التغييرات تحدث. على الرغم من أن الحياة الحضرية تعد بفرص جديدة، إلا أن الناس أصبحوا معزولين تدريجياً. وفي القرن العشرين، تسارعت هذه العملية: فقد حلت الأسر النووية محل الأسر الممتدة، وظهرت شقق منفصلة، وانخفض عدد الروابط بين الأجيال. ومع ذلك، جاءت نقطة التحول الحقيقية مع الثورة الرقمية.
لماذا يبدأ الناس في التواصل بشكل أقل؟
1. تأثير التكنولوجيا
لقد حلت الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية والرسائل الفورية محل التواصل وجهاً لوجه. في حين أن هذه الأدوات تجعل التواصل لمسافات طويلة أسهل، إلا أنها تخلق وهمًا بالحميمية غالبًا ما يكون سطحيًا في الواقع. يقضي الأشخاص ساعات على الإنترنت ولكن نادرًا ما يتواصلون على مستوى أعمق.
2. عبادة الفردية
يقدر المجتمع الحديث بشكل متزايد الاستقلال والاكتفاء الذاتي. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص في الدول الغربية، حيث يتم وضع الإنجازات الشخصية والمهنية فوق الصالح العام.
3. التحضر
في المدن الكبرى، حيث الكثافة السكانية مرتفعة، غالبًا ما يشعر الناس بالوحدة أكثر. ومن المفارقات أن كونك محاطًا دائمًا بالغرباء يزيد من مشاعر العزلة.
4. التغيير الاجتماعي
أدى تراجع دور الدين والمشاركة في المنظمات المجتمعية والتغيرات الاجتماعية الأخرى إلى فقدان الناس لأماكنهم التقليدية لاستيعابهم. على سبيل المثال، في روسيا، كانت هذه الأماكن عبارة عن ساحات أو أحداث جماعية أو نقابية، والتي لم تعد شائعة اليوم.
5. عواقب الوباء
يزيد كوفيد-19 من مشاعر الوحدة. أدت القيود المفروضة على الاجتماعات والعمل عن بعد والخوف من المرض إلى إبعاد الناس عن بعضهم البعض. ويظل اتجاه العزلة مألوفا للكثيرين، حيث حاول الناس التكيف معه – العمل عن بعد، والتعلم عن بعد، والروتين المنزلي المتكامل، بما في ذلك ممارسة الرياضة.
الوحدة من خلال الأرقام: إحصائيات العالم
وفقاً لدراسة أجرتها الحملة الخيرية البريطانية للقضاء على الوحدة، فإن حوالي 33% من البالغين حول العالم يعانون من مشاعر الوحدة. وفي الولايات المتحدة يصل هذا الرقم إلى 46%. أما في روسيا فإن الإحصائيات أقل وضوحا، لكن الدراسات تشير إلى أن 37% من الروس يشعرون بهذا الشعور بشكل منتظم.
وحالة الشباب مثيرة للقلق بشكل خاص. وفقا لدراسة أجرتها Cigna، فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما هم أكثر عرضة للعزلة الاجتماعية من الفئات العمرية الأخرى، على الرغم من أنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بنشاط. وهذا يؤكد الفرضية القائلة بأن الاتصالات الرقمية لا تحل محل الاتصالات الحقيقية.
كيف تؤثر الوحدة على المجتمع؟
العزلة الاجتماعية تسبب عواقب وخيمة ليس فقط على الأفراد ولكن أيضًا على المجتمع ككل:
- الصحة الجسدية والعقلية. الوحدة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والاكتئاب والخرف. ويعتقد العلماء أن تأثيره على الصحة يشبه الآثار الضارة للتدخين.
- التكلفة الاقتصادية. تم ربط انخفاض الإنتاجية وزيادة تكاليف الرعاية الصحية بعواقب الوحدة.
- الثقة الاجتماعية. العزلة تضعف الشعور بالانتماء للمجتمع، مما قد يؤدي إلى انخفاض مستويات الثقة في المجتمع.
هل هناك أي آفاق للمستقبل؟
وعلى الرغم من التوقعات القاتمة، لا يزال هناك سبب للتفاؤل. تقوم العديد من البلدان بتطوير مبادرات لمكافحة الوحدة. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، تم إنشاء منصب وزير الوحدة في عام 2018. وفي اليابان، يتم تطوير برامج لكبار السن لإشراكهم في حياة اجتماعية نشطة.
لماذا الأكل بمفردك أفضل؟
وفي روسيا، هناك اهتمام متزايد بالمبادرات التي تعزز الروابط الاجتماعية. الحركات التطوعية، والنوادي والدورات المجانية لكبار السن، والنشاط المجتمعي المحلي – كل هذا يساعد الناس على الشعور بأنهم جزء من المجتمع.
كيف تتغلب على الوحدة؟
على المستوى الشخصي، من المهم بناء العلاقات والحفاظ عليها بوعي. يمكن أن يكون ذلك من خلال المشاركة في المناسبات المجتمعية أو الجمعيات الخيرية أو مجرد التواصل الاجتماعي بانتظام مع العائلة والأصدقاء. ولا ينبغي لنا أن نعطي الشبكات الاجتماعية دورا أساسيا، فهي قادرة على تكميل التفاعل وجها لوجه، ولكنها لا تحل محله.
وعلى المستوى العالمي، هناك حاجة إلى تغيير القيم. إن دعم المجتمعات المحلية، وتعزيز التواصل بين الأجيال، وإنشاء مساحات حضرية مريحة للاجتماعات – كل هذا من شأنه أن يساعد في استعادة الروابط الاجتماعية المفقودة.
تعتبر الوحدة العالمية ظاهرة معقدة لها جذورها في التغيرات في المجتمع والتكنولوجيا. ومع ذلك، فإن فهم أسباب هذه المشكلة وعواقبها يوفر الأمل في التغلب عليها. من المهم أن نتذكر أن كل واحد منا يمكنه أن يحدث فرقًا، بدءًا صغيرًا – بمكالمة بسيطة لأحد أفراد أسرته أو دعوة صديق للنزهة.
لقد كتبنا سابقًا كيف تتعلم أن تكون سعيدًا بمفردك.